• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تصور القرآن الكريم للوحدة والوفاق

الشيخ سعيد أحمد العمري

تصور القرآن الكريم للوحدة والوفاق

◄إنّ القرآن الكريم لم يستخدم كلمة الوحدة أو الاتحاد، سواء كان مجرداً أو مزيداً فيه، ولكنّه استخدم في هذا الإطار مصطلح "أُمّة واحدة"، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) (البقرة/ 213)، يقول ابن عباس في تفسير هذه الآية: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلّهم على شريعة من الحقّ".

(فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (البقرة/ 213) يقول علماء التفسير بأنّ (الفاء) تسمّى فصيحة، أي: أنّهم كانوا أُمّة واحدة على ملّة واحدة، فحدث الخلاف فيما بعد، (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة/ 213)، وكان الخلاف بينهم في الباطل.

إنّ تصوّر "الأُمّة الواحدة" الذي قدّمه القرآن الكريم لنا خلال هذه الآية هو أنّ الناس كلّهم كانوا قوَّامين على الحقّ قبل أن يدبّ دبيب الخلاف، فبدأ الله - تبارك وتعالى - سلسلة للنبوة والرسالة، كما وعدهم، وكانت مهمّة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إرشادهم إلى الحقّ عند حدوث الخلاف، وإيضاح الحقّ من الباطل، لذلك نرى أنّ الأنبياء - عليهم الصلاة والتسليمات - كانوا هم الذريعة الأصيلة والوسيلة الوحيدة للتمييز بين الحقّ والباطل.

والآية الثانية التي ذكر الله - تبارك وتعالى - فيها مصطلح "أُمّة واحدة"، هي قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) (الزخرف/ 33)، وذكر هذا المصطلح هنا يعني الأُمّة التي اجتمعت على الباطل، أي أنّ الله - تبارك وتعالى - كان قادراً أن يكرم الناس من متاع الحياة وزينتها، حتى اتبع كلّهما لباطل، غرقاً في المادّة ومتاع الحياة الدنيا وزينتها، وباجتماعهم على الباطل أصبحوا أُمّة واحدة.

والآية الثالثة هي آية سورة هود: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود/ 118-119)، وقد ذكر الله - تبارك وتعالى - في هذه الآية مشيئته بأنّه لو شاء لجعل الناس أُمّة واحدة، ولكنه - تبارك وتعالى - قرَّر منح الناس حرّية الفكر والعمل، حيث تركهم أحراراً في التفكير، وأعطاهم حرّية للعمل، وجعل لهم الخيار بين السبيلين: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن/ 2)، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3)، وهذا بلاء من الله للإنسان بأنّه ترك له حرّية الاختيار بين الحقّ والباطل، ومنحه العقل وقوّة التفكير، حتى يُميِّز بين الهداية والضلال، وبين الصالح والطالح، وبين الكفر والإيمان، فجعل الناس أُمّة واحدة معارض لمشيئة الله - تبارك وتعالى - بكونها لا تحقق هدف الابتلاء والاختبار، كما أنّ حرّية التفكير والاختيار كذلك من لوازم التمييز، حتى يختار ما يشاء من الحقّ والباطل.

والآية الرابعة هي آية سورة الشورى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (الشورى/ 8). تقول الآية متحدّثة عن السياق المذكور: إن جعل الناس موحدين متفقين أُمّة واحدة كان ضد مشيئة الله - تبارك وتعالى - حيث إنّه يدخل مَن يشاء من عباده في دين الحقّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم/ 4).

علمنا من هنا بأنّ الصراع بين الحقّ والباطل ماضٍ، ولا يعارض ذلك بمشيئة الله - تبارك وتعالى - حيث إنّ عملية الابتلاء والاختبار ستظل باقية بقاء العالم، وذلك عين مشيئة الله - تبارك وتعالى - حتى يختار ما يشاء من الحقّ والباطل، وذلك لأنّ مهمّة الأنبياء كانت تنصب في إيضاح الحقّ من الباطل، وبيان الصلاح من الضلال.

وقد ورد هذا المصطلح كذلك في سورة المائدة: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مرجعكم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة/ 48). وقد ذكر الله - تبارك وتعالى - التوراة والإنجيل والأُمم السابقة قبل هذه الآية الكريمة، ثمّ خاطب النبيّ (ص) بأنّنا أنزلنا إليك الكتاب الذي يصدق ما بين يديه، ومهيمناً على ما قبله من الكُتُب، وشاملاً لما ورد في الكُتُب والصُّحف السماوية السابقة.

وقد فسّر ابن عباس قوله تعالى: (شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا): "سبيلاً وسُنّةً"، حيث ذكر ابن كثير، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله في شرح قوله تعالى: (شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) سبيلاً وسُنّة، ويقول: "والسُّنن مختلفة، هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان شريعة، يُحلّ الله ما يشاء، ويُحرِّم ما يشاء، ليعلم مَن يطيعه ممّن يعصيه، والدين الذي لا يقبل الله غيره هو التوحيد والإخلاص لله، الذي جاءت به جميع الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام" (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)، "أي أنّه تعالى شرع الشرائع مختلفة، ليختبر عباده فيما شرع لهم، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته، بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كلّه". والمراد هنا أنّ الخلاف في الشرائع ليس خلافاً كبيراً بكونه خلافاً في الفروع دون الأُصول، كما أنّ الاختلاف قد يكون في الأوامر والنواهي، وقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراماً، ثمّ يحل في الشريعة الأخرى وبالعكس، وخفيفاً فيزاد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له تعالى من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

ومن أهم أمثلة الخلاف في الشرائع، ما ورد في القرآن الكريم حول تحويل القبلة: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) (البقرة/ 143). في الآية إشارة إلى صلاة النبيّ (ص) في بيت المقدس عن بداية أمره في المدينة، كما ورد في الروايات: أنّه (ص) كان يجمع بين القبلتين خلال فترته المكية، وذلك بتواجد إمكانيته في الفترة المكية، ولكنّها لم تتوافر له بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة فصلّى في بيت المقدس، وكان ذلك ابتلاءً واختباراً لكلا الفريقين من أهل الكتاب، والمشركين، وذلك لأنّ مرحلة أمر تحويل القبلة كانت قادمة، ولكن لمّا نزل هذا الأمر عارضه أهل الكتاب بشدّة، وقد أشار إليه القرآن الكريم: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) (البقرة/ 142).

وكان إشارة إلى أنّ أمر تحويل القبلة يتعلّق بالشريعة، وذلك لأنّ المقصود ليست الجهة، بل المقصود اتّباع أمر الله - تبارك وتعالى - ثمّ إنّ الذين يتبعون أوامر الله - تبارك وتعالى - لا يهمّهم الجهة، بل المهم لديهم هو إطاعة الله ورسوله، وما نزل من الحقّ، ولكن أمر أهل الكتاب كان عكس، ذلك حيث أصبحوا يجادلون ويقاتلون على الجهات، فجعل البعض الجزء الشرقي لبيت المقدس قبلتهم، والبعض الآخر قرروا تحديد الجزء الغربي لبيت المقدس كقبلة لهم، وكانت حروباً بين المنقسمين والمتناحرين منهم، حيث أبدى القرآن الكريم استنكاره على سلوكيات أهل الكتاب هذه، وخطّأ مثل هذا التصوّر للبرِّ والتقوى، والتخمينات بأنّ الصلاة إلى هذه الجهة أفضل من دونها، ما لم ينزل الله بها من سلطان، حيث قال - تبارك وتعالى - موضحاً أصل وحقيقة "البرّ": (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) (البقرة/ 177)، أي أنّ التصوّر الحقيقي للبرّ هو فهم مراد ومقاصد الشريعة من الأحكام التي أنزلها الله - تبارك وتعالى -.

وكان هذا أحد الأمثلة للخلاف في الشرائع، كما ندرس الآيات الواردة في سورة الأنبياء والمؤمنون وهي متشابهة، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92)، ذكر الله - تبارك وتعالى - قبلها العديد من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ثمّ وردت هذه الآية، والتي تعني: أنّ الشرائع التي جاء بها الأنبياء كانت تختلف بعضها عن بعض، ولكن القرآن الكريم يقول بأنّهم كانوا أُمّة واحدة، وذلك لأنّ الكلّ كان يدعو إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وكذلك الآية التي وردت في سورة المؤمنون: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون/ 52).

وقد وردت هذه الآية كذلك بعد ذكر العديد من الأنبياء - عليهم الصلاة والتسليمات - حيث قال النبيّ (ص) شرحاً لهذه الآية: "الأنبياء بنو العلات، أبوهم واحد، وأُمّهاتهم شتى"، أي: دينهم واحد وشرائعهم مختلفة، وقد قال علماء الحديث بأنّ الدين واحد والشرائع تختلف، ولا يجوز اتّخاذه سبباً ووجهاً للنزاع والخلاف والفرقة.

وقال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج/ 34). وورد بعدها (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ * وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحج/ 67-68).

علمنا من الآيات الكريمة ومفاهيمها تصوّر القرآن الكريم للوحدة والوفاق، وإيجاد صور التلاحم والحبّ، وجمع الشمل بين سائر طبقات وفئات الأُمّة.

ثمّ ذكر القرآن الكريم في هذا السياق أُمور أخرى من أهمّها أنّ أصل الدين هو التوحيد وإخلاص العبادة لله - تبارك وتعالى - والالتزام بأوامره ونواهيه، وعدم التفرقة: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى/ 13).

قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية، ويؤيِّده قول الإمام الشاه ولي الله المحدث الدهلوي بأنّ الأنبياء كلّهم كانوا مأمورين على إقامة الدين. أمّا المسائل الفرعية، فلا تحمل تلك الأهميّة، حتى يجوز التحزّب والتفرّق على أساسها، وقال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام/ 151)، وهذه هي الأوامر والمحرمات التي وجدت في كلّ دين وشريعة، وقد جمع الشيخ الشاه ولي الله المحدث الدهلوي هذه الأُمور كلّها في كتابه المعروف (حجة الله البالغة) تحت عنوان (باب بيان أنّ أصل الدين واحد والشرائع والمناهج مختلفة)، شارحاً ما اتفقت عليها الشرائع، وما اختلفت فيها لدى الأنبياء السابقين، والكلام المذكور يشير إلى أنّ أصل الدين هو البقاء على الصراط المستقيم، صراط المنعمين عليهم، والاحتراز عن السُّبل الأخرى، حتى لا تكون هناك إمكانية للضلال والانحراف عن سواء السبيل.

ثمّ إنّ الدعوة التي وجّهها القرآن الكريم إلى أهل الكتاب هي كما تلي: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64). والمراد هنا أيضاً هو خطاب أهل الكتاب، وتذكيرهم عن الأقدار والأُمور المشتركة، والتنبيه إلى أُسس الدين الرئيسية، لأجل بحث أوجه التعاون والاشتراك، وإيجاد قاعدة صلبة للوحدة والوفاق.

وخلاصة الأمر أنّ تصوّر الوحدة الذي قدّمه القرآن الكريم، نجد الأُصول والأُسس الرئيسية الواضحة له في القرآن الكريم من خلال دراستنا وتتبعنا لتوجيهاته وتفاسيره، حيث يوضّح ويشرح لنا المصطلحات سائلاً ما هو الدين؟ ما هي الشريعة؟ ما تفاصيل الأُصول والفروع؟ وكيف يجب أن نلتزم بها ونتعامل معها من خلال تطبيقاتها على حياتنا؟

والتاريخ يشهد لنا كذلك بأنّ القرآن الكريم هو المؤهل الرئيسي والمرشح الأوّل لجمع الإنسانية التائهة الضالة على أُسس وحدة الربّ، ووحدة الأب، وهذا كمال الإنسانية الذي به يتحقق الفوز العظيم، ورضا الربّ الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (النِّساء/ 1). كما بيَّنَ منهجه وطريقته والسبيل الذي نسير عليه في الإرشادات الماضية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النِّساء/ 59).►

 

المصدر: كتاب المنهج الإسلامي للوسطية والاعتدال 

ارسال التعليق

Top